خلال العقود القليلة الماضية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ازداد عدد منظمات الإحسان التي تركز على قطاع التعليم، حيث ازدادت لبضع منظمات في عام 1990، ومن ثم إلى أكثر من 60 منظمة الآن. كان وراء هذا النمو عدة عوامل منها الضرورات الثقافية والدينية التي تُعنى بإعطاء مقابل للمجتمع، بالإضافة إلى التوافر الكبير للمصادر بهدف التبرع. وعلى الرغم من أن الإحسان لا يزال في المراحل المبكرة للنمو، إلا أن نشاط الإحسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يزال يتجاوز مرحلة جمع المعلومات حول أماكن تقديم البرامج وفعاليتها. ولكن، في مؤسسة القاسمي هناك جهود مبذولة بشكل كبير لفهم عمل الإحسان في المنطقة، ولاستكشاف بعض الفروقات الرئيسية في عمل الإحسان في التعليم بين مجلس التعاون الخليجي ودول غير المجلس، تحديداً فيما يتعلق بمصادر التمويل والوصول الجغرافي ونقاط التركيز.
خلال دراسة حديثة، حددت المؤسسة واختبرت نشاطات التعليم ل 65 جهة إحسانية في المنطقة لاستكشاف هذه الفروقات. بعد جمع البيانات، وجدنا بأنه من خلال تصنيف تلك المنظمات وفق الدول التابعة لمجلس التعاون ودول غير المجلس تمكنا من إعداد بعض الفروقات الأساسية بشكل أوضح بين تلك الدول. أسفر ذلك عن 38 مؤسسة في دول مجلس التعاون (البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة)، و27 مؤسسة في دول غير المجلس (مصر والأردن وإسرائيل ولبنان وفلسطين).
الاختلاف الأول – التمويل
يتم تمويل معظم مؤسسات دول مجلس التعاون الخليجي من المدينة نفسها بنسبة (79%)، بينما يتم تمويل مؤسسات غير دول المجلس عبر العوائل الخاصة والأفراد بنسبة (56%). وليس ذلك بالمفاجأة، باعتبار اختلاف المسارات التاريخية لكلا الفئتين. انتشار المؤسسات الممولة من قِبل الدولة في دول مجلس التعاون متوقع بسبب أن لكل دولة من دول مجلس التعاون الملكية المطْلقة، والتي جمعت ثروة كبيرة من استكشاف النفط. وبالتالي فإن الملكية أصبحت نشطة بشكل ملحوظ في مساعي الإحسان في الخليج. في الواقع، لا تعترف العديد من دول مجلس التعاون – كسلطنة عمان – رسمياً بالمؤسسات غير الربحية بحكم القانون، بمعنى أن المؤسسات غالباً ما يتم تأسيسها بمرسوم أميري أو تكون مرتبطة بمسؤولية اجتماعية مشتركة لشركة خاصة. ومن باب المقارنة، فإنه لمن الشائع في دول غير المجلس، مثل فلسطين ومصر، أن تحصل على التمويل من عوائل وأفراد غير الحكوميين. في مثل هذه الحالات، يتم تأسيس المنظمات الإحسانية بالنيابة عن شخص أو باسم شخص.
الاختلاف الثاني – الوصول الجغرافي
تركز مؤسسات دول المجلس التعاون أعمالها بشكل كبير على القضايا الدولية، ولديها وصول جغرافي أوسع مقارنة بدول غير المجلس.دعمت أكثر من 60% من المنظمات الخيرية في دول مجلس التعاون خلال الدراسة القضايا الدولية ومبادرات التعليم من خلال التمويل والأنشطة، بينما أن 22% فقط من منظمات دول غير المجلس وصلت إلى الدول الأخرى في نفس الطريق. يرتبط ذلك غالباً بحقيقة أن دول مجلس التعاون لديها ثروة أكبر من العديد من دول غير المجلس نظراً لاستكشاف النفط وجعل المصادر متوفرة للأنشطة خارج الدولة.
بالنسبة لمؤسسات دول غير المجلس، 78% منها لديها تركيز محلي بحت خلال الأرباع الثلاث الأولى.
يشير البحث الحالي[1] في الإحسان بأن الغاية من التركيز المحلي قد يشير إلى حاجة المؤسسات لملء الفجوات التي لم يتم التطرق إليها من قِبل الحكومات، وإعطاء دور مرتبط تقليدياً بالإدارات المالكة في دولهم.
1 هارتنل، (2018). الإحسان في المنطقة العربية: ورقة بحث. الإحسان للعدالة الاجتماعية والسلام، هيرولد (2015). العطاء في مصر: تطور العادات الخيرية في اقتصاد سياسي متغير.
الاختلاف الثالث – التركيز
من ناحية دعم بنية التعليم ونتائج بحث المؤسسات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هناك فروقات إضافية ملحوظة بين المجموعتين.
إن الهدفين المفضلين من قِبل المنظمات الإحسانية لدعم بنية التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هما (1) تمويل المدارس و (2) تمويل مرافق المدارس. وعلى الرغم من ذلك، عند مقارنة الهدفين ببعض، فإن مؤسسات دول مجلس التعاون التي تدعم بنية التعليم على الأغلب تمول بناء المدارس بنسبة (60%) مقارنة بمؤسسات دول غير المجلس بنسبة (33%). كما أن تمويل مرافق المدارس، والذي تستهدفه (35%) من مؤسسات دول مجلس التعاون و(40%) من مؤسسات دول غير المجلس، يتضمن تمويل إضافات مبنى المدرسة أو إصلاح المرافق في المدارس الحالية (مثال: إضافة أو إعادة ترميم مكتبة أو تركيب الألواح الشمسية). هذا الفرق غالباً يعود سببه إلى الدفعة الحديثة للتنمية والتوسعة في منطقة الخليج وعملها في السياقات الدولية، مقارنة بمنطقة دول غير المجلس.
من ناحية البحوث في التعليم التي تقدمها المنظمات الخيرية، فإن الموضوع الأكثر مشاركة لمؤسسات دول مجلس التعاون هو أنظمة التعليم وأفضل الممارسات في التعليم، حيث تركز 34% من بحوثهم على ذلك مقارنة ب 6% فقط من تركيز مؤسسات دول غير المجلس. وفي الواقع، وبتركيز دولي أكثر – كما تم ذكره سابقاً – قد يكون هذا هو الحال لدول مجلس التعاون كدولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان اللتان تستهدفان زيادة تصنيفهما الدولي في التعليم، كبرنامج تقييمات الطالب الدولية (بيسا). بدلاً من ذلك، فإن أكثر موضوع مشترك لبحوث مؤسسات دول غير المجلس هو التقييم والمنهاج بنسبة 36% من البحوث حول هذا الموضوع مقارنة ب24% من بحوث مؤسسات دول مجلس التعاون.
وربما قد يكون الاختلاف الأكثر تحديداً بين كلا المنطقتين في هذا المجال هو أن 33% من بحوث مؤسسات دول غير المجلس ركزت على السكان المعرضين للخطر (بما في ذلك اللاجئين وذوي الاحتياجات الخاصة)، بينما ركزت بحوث مؤسسات دول مجلس التعاون على تلك الفئة بنسبة 4%. ركز ما يقارب ثلث البحوث (29%) المعنية بالسكان المعرضين بالخطر على اللاجئين، وكل تلك البحوث متوفرة من مؤسسات في الأردن. كواحدة من أماكن اللجوء الرئيسية للاجئين السوريين، فإن هذه النتيجة للأردن غير مفاجئة. وبالتالي، فإن الفروقات بين النسب لمؤسسات دول مجلس التعاون ودول غير المجلس التي ركزت على السكان المعرضين للخطر قد تعكس القضايا الداخلية للدولة والعدد الكبير للاجئين الذين يعيشون حالياً في دول غير المجلس وبالتحديد في الأردن.
تطلعات مستقبلية
على الرغم من أن اختلافات مؤسسات دول المجلس وغير المجلس العديدة، إلا أنها تواجه عدداً من التحديات المؤسسية المشتركة، العديد منها يتبع التوجهات العالمية الحالية. ضمن المقابلات مع ممثلي المؤسسات، برزت ثلاث تحديات رئيسية، خصوصاً فيما يتعلق بقضايا التمويل، والقوانين والعلاقات الحكومية، والتوظيف. كما أن هناك العديد من الجوانب التي يمكن التركيز عليها من أجل تعزيز اندماج الإحسان في المنطقة. على وجه التخصيص، المزيد من البحوث حول كيفية تطوير استدامة التمويل، وتنمية الحفاظ على الموارد البشرية، وتعزيز العلاقات والسياسات الحكومية المعنية بالإحسان. سيساهم كل ذلك في دعم الإحسان في دول مجلس التعاون ودول غير المجلس، كما سيسمح بتعزيز التأثير الإيجابي في المستقبل.
للمزيد من المعلومات حول الدراسة ولمعرفة المزيد حول الفروقات بين مؤسسات دول مجلس التعاون ودول غير المجلس، تفضلوا بالاطلاع على المقال القادم للمؤسسة: "التعليم والإحسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: مقارنة بين دول مجلس التعاون ودول غير المجلس."