المدونات والبودكاست

التأثير الذكي: تسخير الذكاء الاصطناعي لتحويل العمل الخيري في الإمارات العربية المتحدة

Written by كاميلا جيوفامباولا | أكتوبر 03,2025

يشهد العالم اليوم صعودًا سريعًا للذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل مختلف القطاعات، ولم يكن العمل الخيري استثناءً من ذلك. ففي دولة الإمارات العربية المتحدة، بدأ تقاطع الذكاء الاصطناعي والعمل الخيري بإعادة تعريف كيفية سعي المؤسسات لتحقيق التغيير الاجتماعي، وفتح مسارات جديدة نحو الأثر والابتكار.

تتمتع هذه النقلة ببيئة حاضنة قوية في الدولة. فقد شهد القطاع الخيري في الإمارات توسعًا كبيرًا على مدى العقدين الماضيين، مستندًا إلى تقاليد ثقافية ودينية راسخة في العطاء. وقد أصبح العمل الخيري المؤسسي قوة بارزة، مع لعب الدولة دورًا رئيسيًا كمحفّز وميسّر. وفي موازاة ذلك، رسخت الإمارات مكانتها كقائدة إقليمية وعالمية في مجال الذكاء الاصطناعي. فإطلاق "استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031" وتأسيس "جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي" – أول جامعة متخصصة بالذكاء الاصطناعي في العالم – يعكسان التزام الدولة بتطوير الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع.

ومثلما هو الحال في مناطق أخرى، فإن سرعة التحول الرقمي تفرض تحديات كبيرة على المؤسسات. فقد وجدت دراسة حديثة لشركة "ديلويت" (2025) بالتعاون مع جامعة محمد بن زايد أن أكثر من 80% من المؤسسات في الشرق الأوسط، بما في ذلك الإمارات، تشعر بضرورة تبني الذكاء الاصطناعي، إلا أن ما يقارب نصفها يواجه نقصًا في المواهب والقدرات التقنية اللازمة للتوسع الناجح في استخدامه. وتتأثر المؤسسات الخيرية بشكل خاص بهذه الفجوة؛ إذ يظل تبني الذكاء الاصطناعي في هذا القطاع محدودًا مقارنةً بغيره، مما يعرّض العديد من المؤسسات لخطر التراجع. كما تؤكد دراسة "الذكاء الاصطناعي والعمل الخيري" الصادرة عن جامعة جنيف هذا التفاوت: فبينما تتصدر بعض المؤسسات الخيرية مجال التجريب والدمج للذكاء الاصطناعي، لا تزال أخرى تكافح في المراحل الأساسية للتحول الرقمي. هذا التوجه عالمي، إلا أنه يزداد حدة في السياقات التي تعاني من محدودية البيانات المتاحة.

بناء التنمية المجتمعية المحلية من خلال الذكاء الاصطناعي

يمثل تقاطع الذكاء الاصطناعي والتنمية المجتمعية المحلية فرصًا خاصة وملهمة للمؤسسات الخيرية التي تعمل على المستوى القاعدي. فقد كشفت أبحاث حول العمل الخيري المؤسسي في الإمارات أن المؤسسات المحلية تؤدي أدوارًا محورية في تمكين المجتمعات ودعم التنمية الوطنية، ويمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي أن تضاعف من أثرها عبر تحسين الاستهداف، وتوزيع الموارد، وقياس الأثر.

ويمنح إعلان الإمارات عن عام 2025 كـ "عام المجتمع" إطارًا ملائمًا لدمج الذكاء الاصطناعي في المبادرات المجتمعية. وتظهر مشاريع ناشئة بالفعل كيف يمكن القيام بذلك: منصات مدعومة بالذكاء الاصطناعي تربط المتطوعين باحتياجات محلية، آليات تبرع إلكترونية تتيح للمانحين دعم المستفيدين بشكل آمن ومباشر، وبرامج تعزز المجتمعات عبر محو الأمية الرقمية. وتُظهر مثل هذه الابتكارات كيف يمكن للعمل الخيري أن يتبنى الذكاء الاصطناعي بطرق تعزز التماسك الاجتماعي، مع الحفاظ على العلاقات الإنسانية في قلب استراتيجيات التنمية.

خطوات عملية لتسخير الذكاء الاصطناعي من أجل أثر ذكي

استنادًا إلى النقاشات الحالية حول تقاطع الذكاء الاصطناعي والعمل الخيري، وبالنظر إلى السياق الفريد لدولة الإمارات، يمكن للتوصيات التالية أن ترسم طريق المضي قدمًا. وهي ليست مرتبة حسب الأولوية، بل تعمل بشكل أفضل عندما يُنظر إليها كنهج مترابط وشامل:

  • الاستثمار في بناء القدرات والتدريب: ينبغي للمؤسسات الخيرية أن تعطي الأولوية لبرامج تطوير الموظفين التي تجعل الذكاء الاصطناعي في متناول الجميع، وتعزز الثقافة الرقمية، وتبني المهارات اللازمة لتقييم وتنفيذ أدوات الذكاء الاصطناعي بفاعلية. كما يجب أن يضمن التدريب توافق الاستخدام مع رسالة المؤسسة وقيمها. ورغم أن الاستعانة بمصادر خارجية قد تكون ضرورية أحيانًا، إلا أنه لا ينبغي أن يؤدي ذلك إلى غياب الثقافة الرقمية داخل المؤسسة.
  • تعزيز الملاءمة الثقافية واللغوية: يبرز نمو نماذج الذكاء الاصطناعي باللغة العربية والتطبيقات المصممة خصيصًا للسياق الخليجي أهمية الحلول الموجهة للبيئات المحلية. ويمكن للمؤسسات الخيرية أن تساهم في ذلك عبر اختيار أدوات تعترف باللهجات الإقليمية، والمعايير الثقافية، والديناميات الاجتماعية، بدلاً من الاعتماد على نماذج عامة قد تتجاهل احتياجات المجتمعات.
  • اعتماد استراتيجية تنفيذ تدريجية: البدء بحالات استخدام منخفضة المخاطر – مثل إدارة المتبرعين، وكفاءة العمليات، أو القياس البسيط للأثر – يتيح للمؤسسات اكتساب الخبرة قبل الانتقال إلى تطبيقات أكثر تقدمًا. يساعد هذا النهج التدريجي على بناء الثقة الداخلية، وتحسين أطر الحوكمة، وتقليل المخاطر على المستفيدين وسمعة المؤسسة.
  • الحفاظ على مركزية الإنسان: يجب أن يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتعزيز الحكم البشري لا لاستبداله، خصوصًا في المجالات ذات الأثر الاجتماعي. لذا، فإن وجود إرشادات واضحة، ورقابة بشرية منتظمة، وتدابير قوية للمساءلة، أمر ضروري لضمان بقاء التكنولوجيا أداة لتحسين حياة الناس، مع اعتبار رفاهية المستفيدين أولوية قصوى.

دفع الابتكار، برؤية واضحة

بينما تواصل المؤسسات الخيرية العمل نحو دمج الذكاء الاصطناعي في عملياتها، يجب أن يبقى التركيز على تعزيز الروابط الإنسانية لا استبدالها. ويمكن للإمارات أن تترسخ في المنطقة ليس فقط كمركز تكنولوجي، بل أيضًا كمختبر لتطبيقات مسؤولة للذكاء الاصطناعي في مجال العمل الخيري. ومن خلال الاستثمار المستمر في البنية التحتية، وتنمية المواهب، والأطر الأخلاقية، تستطيع الدولة أن تسهم في صياغة نموذج عالمي يوضح كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخدم الاحتياجات الاجتماعية الأكثر إلحاحًا للبشرية، مع الحفاظ على القيم الثقافية والروابط المجتمعية التي تمنح العمل الخيري معناه الحقيقي.