مع تأثير جائحة كوفيد-19 على الحياة اليومية في جميع أنحاء العالم، تحول أسلوب التدريس في المدارس وبشكل متزايد إلى نمط الدراسة والتعلم عن بعد. ويعتبر هذا النهج بأنه عملي، لم يكن هناك سوى القليل من الوقت للتفكير في تطبيق هذا النظام الجديد أو حتى التفكير في كيفية تأثيره على إلزام الطلبة بالجلوس أمام الشاشات لوقت طويل من الساعات يومياً، ويعتبر هذا السلوك الدراسي بأنه غير صحي. وعلاوة على ذلك التحديات اللوجستية التي طرأت مؤخراً، حيث أن العديد من العائلات في جميع أنحاء العالم ليس لديها إمكانية توفير جهاز حاسب آلي لكل طفل، ولا حتى قدرة الاتصال بشبكة الإنترنت، بهدف تسهيل التعلم عن بعد. ولكن هناك العديد من الطرق التي يمكن للأطفال من خلالها ممارسة مهارات التعلم عن بُعد، ولايتطلب ذلك منهم قضاء العديد من الساعات أمام الشاشة.
يبدو أن تطبيق نهج التعلم عن بعد في غاية البساطة، بعد مرور كل هذا الوقت، قد يعتقد البعض بأن كل ما عليك فعله فقط هو تحميل مواد الحصة التدريسية على منصة إلكترونية مثل فصل غوغل. ومع ذلك ، فإن الواقع أكثر صعوبة. إن المدارس لا تواجه فقط صعوبات في تطبيق نهج التعليم الرقمي ضمن موظفيها وطلابها، ولكن هناك أيضًا تحديات لوجستية هائلة في ضمان الإنصاف والوصول. للأسف، فإن العديد من المدارس غير مستعدة لمواجهة تحديات التعلم عن بعد، ويتم إعطاء مساحة أو وقت قليل للتفكير في أصول التربية التي تم تطويرها على مدى عقود. في العديد من المدارس، وخاصة في المرحلة الثانوية، يبدو الأمر كما لو أن الجميع قد نسوا أهمية استخدام مجموعة متنوعة من أساليب التدريس لاستيعاب أساليب وقدرات التعلم المختلفة. بدلاً من ذلك، يتم تعريف التعلم عن بعد على أنه ضمان إمكانية كل طالب من الجلوس أمام الشاشة خلال الوقت الذي يجب أن يقضيه في المدرسة، وليس أهمية التأكد من تلبية احتياجات الطلبة.
لدى كل متخصص في التعليم رؤية مختلفة قليلاً عن كيفية تعليم الأطفال في الفصل الدراسي، لكنهم عادةً ما يركزون على بعض الأفكار الرئيسية: أولاً، تقليل وقت التحدث الخاصة بالمعلم؛ ثانيًا، إشراك الطلبة في المادة؛ ثالثًا، استخدام مجموعة متنوعة من الأنشطة لتسهيل مراحل التعلم المختلفة؛ ورابعاً، التمييز بين أنماط التعلم لدى الطلبة وقدراتهم. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالتعلم عن بعد، فإن الكثير من هذه الممارسات الجيدة في التدريس - إن لم يكن جميعها - قد تم طرحها من النافذة واستبدالها بقائمة لا نهاية لها من المهام لكل من الطلبة والمعلمين[1]. باعتراف الجميع، أن المدارس تقع تحت ضغط هائل لتثبت للآباء أن المدرسة ما زالت تجتهد في تعليم أطفالهم - والأكثر من ذلك للمدارس الخاصة التي تحتاج إلى تبرير من أجل تحصيل الرسوم المدرسية. ومع ذلك، فإن تقديم أدلة لاستيفاء الرسوم الدراسية غالبًا ما يعيق مهمة التدريس والتعلم الجيد، مع احتمالية حدوث تأثيرات ضارة عند قضاء الكثير من الوقت أمام الشاشة على نمو دماغ الطفل.
ولكن لا يجب أن تكون بهذه الطريقة. إنالتعلم عن بعد موجود منذ أكثر من نصف قرن في المناطق الريفية حول العالمتشمل الأمثلة نيوفاوندلاند ولابرادور في كندا أو الإقليم الشمالي في أستراليا حيث تأسست مدرسة أليس سبرينجز الجوية قبل أكثر من 60 عامًا لتوفير التعليم للأطفال الذين يعيشون في المناطق النائية - قبل اختراع الاتصال بشبكة الإنترنت لفترة طويلة.بالنظر إلى مدارس التعلم عن بعد الراسخة، نرى بيئة مختلفة للتعلم عن بعد، بيئة تدعم التربية والمناهج الدراسية القوية التي تم تطويرها على مدى عقود، حيث لا يقضي الأطفال ساعات طويلة أمام الشاشة. بدلاً من ذلك، يتم إعطاء هؤلاء الطلبة مهام من قبل معلمهم باستخدام المواد التعليمية التي يمكنهم الوصول إليها أو صنعها أو طباعتها في المنزل، أو يتم إرسال المواد عن طريق البريد. على سبيل المثال، يمكن للطلبة ممارسة كسرات الطعام (حتى كوب من الماء) أو الاشراك في الكتابة الإبداعية باستخدام القلم والورق. يسمح هذا للطلبة بالتعلم واستخدام مجموعة متنوعة من أنماط التعلم (السمعية، الحركية، البصرية)، واستخدام الإنترنت وخدماتها العديدة كأدوات للتغلب على حواجز وتحديات التعلم عن بعد، بدلاً من أن تكون بمثابة محور تعلمهم.
في المدونة الصوتية الحديثة، يوضح كيري راسل، مبدأ مدرسة أليس سبرينجز الجوية، أن طلبة المرحلة الابتدائية لديهم جلستان دراسية لمدة 30 دقيقة فقط مع معلميهم في اليوم الواحد، ويقضي بقية الوقت في التعلم دون الاتصال بالانترنت. لتسهيل التعلم في وضع عدم الاتصال بالشبكة، ويتم إعطاء الطلبة تعليمات من قبل معلمهيم وحتى إرسال المواد المادية لاستخدامها. ثم يكمل الطلبة هذه الأنشطة ويشاركون التعليقات مع معلمهيم عندما يجتمعون عبر الإنترنت أو يقومون بتحميل عملهم باستخدام صورة. يعالج تقليل وقت الشاشة أيضًا العبء اللوجستي الذي ستواجهه هذه الأسر في المناطق الريفية في أستراليا من خلال التأكد من أن كل طفل متصل بشبكة الإنترنت والجلوس أمام الشاشة خلال اليوم الدراسي. بالرغم من أن طلبة مدرسة أليس سبرينجز الجوية، يقومون بالكثير من عملهم في وضعية عدم الاتصال، إلا أنهم ما زالوا قادرين على إكمال جميع متطلبات المناهج الأسترالية القياسية مثل أي مدرسة تقليدية أخرى في أستراليا.
يعتبر هذا وقت غير معتاد عليه حيث تعمل المدارس على تكريس ساعات وموارد لا حصر لها لتحقيق أقصى استفادة ممكنه من الوضع الذي لم يكن لدى الكثير من الأفراد الوقت الكافي للاستعداد له. ينبغي الإشادة بدور المدارس وموظفيها، وخاصة الآباء، على جهودهم. ومع ذلك، نحتاج إلى الاستمرار في تحسين جودة التعليم عن بعد الذي يتم تقديمه للأطفال حول العالم. نحتاج إلى تشجيع التعلم الذي يشرك الطلبة في وضعية عدم الاتصال، مع بيئتهم وعلى أقدامهم بعيدًا عن الشاشة. قبل كل شيء، يجب أن نواصل العمل من أجل ضمان أن كل طفل، بغض النظر عن قدرته وأسلوبه التعليمي، قادر على الحصول على التعليم الجيد الذي يستحقه.
[1] استنادًا إلى الاستبيان الذي أجريناه مؤخرًا والذي يبحث في مبادرة التعلم عن بُعد في دول مجلس التعاون الخليجي، فإن أكثر من 65% من المعلمين يقضون أكثر من 3 ساعات يوميًا عبر شبكة الإنترنت مع دروسهم في هذا الوقت، و 47% أكثر من 4 ساعات، و 24% أكثر من 6 ساعات. أفاد الطلبة بقضاء وقت أطول على شبكة الإنترنت في صفوفهم الدراسية، في المستوى المتوسط، حيث أفاد 92% من الطلبة عن أكثر من 3 ساعات، و 64% أكثر من 4 ساعات، و 20% أكثر من 6 ساعات يوميًا.
في سلسلة مدونات التعليم في أوقات مضطربة، تستكشف مؤسسة القاسمي كيفية تأثير COVID-19 على الطلبة والمعلمين والإداريين والتعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة. حيث تقدم أفكار ورؤى عن الوضع الحالي للتعليم، وأيضًا في السياسة والتمويل. تقدم هذه السلسلة أيضاً اقتراحات لصانعي القرار وعامة الناس حول كيفية الحفاظ على جودة التعليم لجميع الطلبة في هذه الأوقات المضطربة. إذا استفدت من هذه المدونة، فإننا نشجعك على قراءةالمدونات الأخرى في سلسلة التعليم في أوقات مضطربة.