نشهد حالياً تدهور النظم البيئية الساحلية والبحرية بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم وذلك بسبب الضغوط المرتبطة بالسكان، بما في ذلك التنمية الساحلية والتلوث وتغير المناخ. بالإضافة إلى هذه الضغوط يمكن إضافة الدور الذي لعبه البشر في استغلال الموارد البحرية بوتيرة متزايدة، حيث أن العديد من مصائد الأسماك التجارية باتت تتعرض إلى الصيد الجائر بشكل كبير. وفي الوقت نفسه أدت بعض ممارسات الصيد التدميرية – مثل الصيد بشباك الجر – إلى تجريف وتسوية قاع البحر. ونتيجةً للتغيرات التي حدثت في موانئنا الساحلية، فإن صانعو السياسات والمدراء البحريون يبحثون بشكل متزايد عن وسائل لتعويض بعض هذه التغيرات، ويتحول اهتمامهم بشكل متزايد نحو الشعاب المرجانية الاصطناعية.
ولقد سبق واستُخدمت الشعاب المرجانية الاصطناعية لعدة قرون في منطقة الخليج، حيث تم بناء هذه الشعاب من جذوع أشجار النخيل في مواقع مخفيّة قرب القرى الساحلية. وتمت إدارة هذه المواقع للصيد السري تحت عناية " سنات البحر" وتم تناقل مكان هذه المواقع من جيل إلى جيل عبر السلالات الأسرية. واليوم فإن حجم تطور الشعاب المرجانية الاصطناعية يعتبر هائلاً بالمقارنة مع جذورها التاريخية، إلا أنه في الكثير من الحالات يمكن أن تؤدي مثل هذه البرامج إلى تفاقم بعض المشكلات التي كانت قد أُنشأت لحلها.
إن أنصار الشعاب المرجانية الاصطناعية يشيرون إلى العديد من الفوائد الملموسة التي قدموها. حيث يتم استعمار الشعاب الاصطناعية بسرعة من قبل الأسماك والكائنات البحرية الأخرى، وذلك يسهم في إنشاء مجتمعات ذات تنوع ووفرة تماثل الموائل الطبيعية. ونظراً لأن هذه الشعب الاصطناعية يتم بناؤها في مناطق رملية أو موحلة ساكنة نسبياً، فإنها تجذب العديد من أنواع الكائنات الحية التي تبحث على الغذاء أو المأوى أو موائل للتكاثر. يمكن أن تكون الشعاب الاصطناعية أيضاً نعمة للبشرية. حيث توفر فرصاً لا حصر لها للترفيه والسياحة البيئية، علاوة على ذلك، فإنه يمكن وضعها في المناطق المحيطة بالموائل الحرجة لمنع الضرر الناجم عن الصيد بشبكة الجر، أو الأضرار الناجمة عن الرسو والأنشطة الأخرى.
وعلى الرغم من وجود مثل هذه الفوائد للشعاب المرجانية الاصطناعية، فإن ذلك لا يأتي بلا مخاطر، فبينما يُنظر إلى الشعاب المرجانية الاصطناعية بأنها تجتذب الأسماك بناءً على تميّزها بالنسبة لها، فإنها في الواقع تجعل الأسماك معرضة إلى الصيد الجائر، لأنه تركز كمية كبيرة من هذه الأسماك في مكان واحد، وذلك يجعل صيدها أسهل وأقل كلفة على الصيادين، وهذا من الممكن أن يؤدي إلى الاستغلال المفرط للثروة السمكية، وبالتالي انهيار مصادر هذه الثروة. علاوة على ذلك فإن الشعاب المرجانية الاصطناعية على الرغم من تطويرها لمجتمعات متنوعة ووفيرة من الكائنات البحرية، إلا أن هذه المجتمعات تختلف تماماً عن تلك الموجودة في النظم البيئة الطبيعية بسبب هيمنة كائنات حية أخرى عليها.
وفي ورقتنا السياسية الأخيرة التي نشرتها مؤسسة القاسمي، قدمتُ أن وزملائي سلسلة من التوصيات لصانعي السياسات والمدراء البحريين، من أجل أخذها بعين الاعتبار عند التفكير في اعتماد برامج الشعاب المرجانية الاصطناعية. ولكن ما الذي يمكن أن يفعله عامة الناس من أجل التأكد من أننا نملك مستقبل أكثر استدامة لبيئتنا الساحلية؟ نستطيع القول أنه يمكن أن نتعلم كيف نجعل أنفسنا أكثر احتراماً ووعياً للفسيفساء الفريدة للنظم البيئة المترابطة والمتفاعلة على طول سواحل الخليج العربي. حيث تعد غابات المنجروف وأحواض الأعشاب البحرية والشعب المرجانية والنظم البيئة الأخرى، هي النظم البيئة الأكثر إنتاجية وتنوعاً في المنطقة، ويقع على عاتقنا مسؤولية حمايتها والضغط على المنظمات المحلية غير الحكومية وغيرها من القواعد الشعبية من أجل تعزيز الإشراف البيئي.
وفي الختام يمكن القول إن برامج الشعاب المرجانية الاصطناعية يمكن أن يكون جزءًا من مجموعة من المبادرات التي تدعم هذه الأجندة، لكنّ ذلك سيحدث فقط إذا تم التخطيط لها وتصميمها بعناية ، وبطريقة نتجنب من خلالها بعض المخاطر التي تكمن في تطورها. وبدلاً من تركيز اهتمامنا على الحلول الهندسية التي تستخدم بعد زوال الموائل والنظم الطبيعية من خلال برامج مثل برنامج تطوير الشعاب المرجانية، يجب أن نركز الاهتمام والوقت والأموال التي يمكن أن تخصص لتمويل مثل هذه البرامج على الحفاظ على هذه الموائل والنظم الطبيعية ومحاولة استعادتها كما كانت.