يوفر النسيج الحضري لإمارة رأس الخيمة عدسة مقنعة لفحص الدور المتطور المساحات العامة في تشكيل المجتمع وتعزيز الاستدامة الاجتماعية. تسلط هذه الدراسة، التي قادها باحثون في التخطيط الحضري من جامعة برمنجهام دبي، الضوء على العلاقة المعقدة بين المساحات العامة والتماسك الاجتماعي في رأس الخيمة. من خلال التحقيق في ثلاثة مواقع رئيسية - الكورنيش، ومركز منار التجاري، وجزيرة المرجان - يوفر هذا البحث رؤى حول كيف أن هذه المساحات ليست مجرد مواقع للتفاعل المادي ولكنها أيضًا ركائز أساسية في تعزيز الروابط المجتمعية وتعزيز الاستدامة الاجتماعية والرفاهية على المدى الطويل.
يكمن في صميم هذه الدراسة إطار مفاهيمي يربط المساحات العامة بالاستدامة الاجتماعية، مع التركيز على الشمولية وإمكانية الوصول والمشاركة المجتمعية. الاستدامة الاجتماعية، التي غالبًا ما تطغى عليها نظيراتها البيئية والاقتصادية، أمر بالغ الأهمية لاستدامة المناطق الحضرية على المدى الطويل. يعتمد البحث على الأدبيات الموجودة ليؤكد أن التماسك الاجتماعي والهوية والشعور بالمكان أمر أساسي لتعزيز المجتمعات الحضرية النابضة بالحياة والمرنة. وتعمل هذه المساحات كمنصات للتفاعلات التي تتجاوز الأنشطة اليومية، مما يسمح للسكان بالتعبير عن هوياتهم الثقافية وبناء الثقة المجتمعية. وتؤكد النتائج على أن تصميم وإدارة المساحات العامة يجب أن يلبي احتياجات المجتمع المتنوعة للحفاظ على أهميتها وحيويتها بمرور الوقت.
كان أحد الجوانب الفريدة لهذه الدراسة هو المشاركة النشطة لطلاب ماجستير التخطيط الحضري من جامعة برمنجهام دبي في جمع البيانات. قام هؤلاء الطلاب، الذين كانوا بالفعل محترفين في الهندسة المعمارية والتصميم الحضري والتخطيط، بالعمل الميداني لأول مرة، واكتسبوا رؤى قيمة حول ممارسات التخطيط الحضري في العالم الحقيقي. سهلت مساهماتهم جمع البيانات بشكل شامل ودقيق، حيث تم استطلاع آراء أكثر من 700 مشارك عبر أحياء مختلفة في رأس الخيمة. أثرت هذه المشاركة الدراسة بوجهات نظر متنوعة وأظهرت كيف يمكن للبحث الأكاديمي أن يساهم بشكل مباشر في البنية التحتية الاجتماعية للمساحات الحضرية، وتوفير البيانات التجريبية التي تفيد التخطيط المستقبلي.
أحد النتائج الرئيسية للدراسة هو التمثيل الناقص للمجموعات المهمشة في هذه المساحات، وخاصة كبار السن وبعض المجتمعات الثقافية. على سبيل المثال، على الرغم من أن معظم المستجيبين (56.48%) يفضلون المساحات العامة المفتوحة مثل الحدائق والشواطئ، فإن كبار السن أقل ظهورًا بشكل ملحوظ في هذه المناطق، مما يكشف عن فجوة كبيرة في الشمول. بالإضافة إلى ذلك، تكشف البيانات عن خلل ديموغرافي ملحوظ، حيث يعتبر الهنود والإماراتيون المستخدمين الأساسيين للمساحات العامة. وهذا يسلط الضوء على الحاجة إلى استكشاف كيف يمكن أن تكون هذه المساحات أكثر شمولاً وترحيبًا بجميع السكان.
وعلاوةً على ذلك، أعرب المستجيبون عن اهتمامهم بالحصول على المزيد من النفوذ على تصميم وتطوير الأماكن العامة، وهو ما يعكس اتجاهًا متزايدًا للمشاركة المدنية في التنمية الحضرية. كما يسلط استعداد السكان للمشاركة في الاستطلاعات وتقديم الملاحظات الضوء على نتيجة حاسمة للدراسة: هناك شهية قوية للتخطيط التشاركي في رأس الخيمة. يريد الناس أن يُسمع صوتهم، ويريدون أن تنعكس احتياجاتهم وتفضيلاتهم في الأماكن التي يسكنونها.
سمحت الدقة المنهجية للدراسة، والتي شملت أخذ عينات عشوائية ومسوحات مجتمعية مكثفة، بإجراء تحليل شامل لكيفية مساهمة الأماكن العامة في رأس الخيمة في الاستدامة الاجتماعية أو إعاقتها. وتدعو النتائج إلى عمليات تخطيط حضري تشاركية تعمل على إشراك المجتمع بشكل نشط في تصميم وصيانة المساحات العامة. وقد ثبت أن إشراك أصحاب المصلحة المحليين في قرارات التنمية الحضرية يعزز الشعور بالملكية والمسؤولية بين السكان، مما يضمن أن تعمل هذه المساحات كمراكز حقيقية للتفاعل الاجتماعي والتعبير الثقافي. ومن خلال دمج الأصوات المحلية، يمكن للمخططين إنشاء بيئات حضرية تخدم الاحتياجات العملية للسكان وتعزز الشعور بالانتماء والملكية المجتمعية. وعلاوةً على ذلك، توضح البيانات أنه عندما يشعر الناس بأنهم لديهم مصلحة في محيطهم، تصبح المساحات العامة أكثر حيوية واستدامة اجتماعيًا، وتعمل كامتدادات حية للمجتمع.
وتختتم الدراسة بعدة توصيات سياسية لمخططي المدن وصناع السياسات. وتؤكد على الحاجة إلى مساحات عامة صديقة لكبار السن توفر أماكن جلوس وتظليلًا وإمكانية وصول كافية لكبار السن. بالإضافة إلى ذلك، تدعو الدراسة إلى دمج عناصر متعددة الثقافات في تصميم المساحات العامة لتعكس التنوع السكاني في رأس الخيمة. والأهم من ذلك، تدعو الدراسة إلى مشاركة مجتمعية أكثر قوة من خلال نماذج التخطيط التشاركي التي تمنح السكان صوتًا مباشرًا في تشكيل بيئتهم الحضرية. ومن خلال مواءمة تطوير المساحات العامة مع احتياجات وتطلعات جميع أفراد المجتمع، يمكن لرأس الخيمة إنشاء مساحات أكثر شمولاً واستدامة اجتماعيًا تعمل على تعزيز الرفاهية الفردية وتماسك المجتمع.