المدونات والبودكاست

ما تخبرنا به الهياكل العظمية القديمة عن تاريخ رأس الخيمة

Written by جيمي أولينجر | نوفمبر 02,2025

 يدرس علماء الأنثروبولوجيا الحيوية الهياكل العظمية القديمة لفهم علم الأحياء البشري في الماضي. يتأثر الإنسان بشكل كبير ببيئته، بما في ذلك ثقافته، ودراسة صحة الإنسان في العصور القديمة يمكن أن تكشف عن قدر كبير من المعلومات حول الأمراض القديمة، وأنماط الغذاء، والأنظمة الثقافية، وأوجه عدم المساواة. يمكن أن يساعدنا فهم كيفية تفاعل البشر مع بيئتهم في الماضي على وضع خريطة طريق لفهم ما نراه اليوم من أوبئة ومشكلات صحية وتغيرات في أنظمتنا الثقافية.

تتمتع رأس الخيمة بتاريخ أثري غني، حيث تضم عدة مناطق مدرجة على القائمة التمهيدية لمواقع التراث العالمي لليونسكو، بما في ذلك المناظر الثقافية في ضاية، وقرية الجزيرة الحمراء لتجارة اللؤلؤ، وجلفار التجارية، وشمل. وقد أشرفت دائرة الآثار والمتاحف على حفريات أثرية مهمة في هذه المواقع وغيرها. ومن خلال منحة بحثية من مؤسسة القاسمي، أُتيح لي العمل على دراسة بقايا هياكل عظمية بشرية من قبور في منطقة شمل تعود إلى فترتي أم النار (2700–2000 قبل الميلاد) ووادي سوق (2000–1600 قبل الميلاد). شهدت هاتان الفترتان تغيرات ثقافية كبيرة يُعتقد أن سببها تحول مناخي رئيسي، حيث أصبحت شبه الجزيرة أكثر حرارة وجفافًا حوالي عام 2200 قبل الميلاد.

في فترة أم النار، كان الناس يُدفنون في قبور كبيرة دائرية فوق سطح الأرض تحتوي على أكثر من 400 فرد. عندما يتوفى شخص جديد، كانت عظام المتوفين قبله تُزاح إلى جانب، مختلطة بعظام الآخرين (وهي عملية يُطلق عليها علماء الأنثروبولوجيا الحيوية اسم "اختلاط العظام") لإفساح المجال للمتوفى الجديد. كانت هذه الممارسة تُعطي الأولوية للجماعة على الفرد. ومع حلول فترة وادي سوق، استمرت ممارسات مماثلة للاختلاط ولكن على نطاق أصغر بكثير. إذ احتوت القبور على أقل من 40 شخصًا وغالبًا أقل من 20)، وتحولت أشكال القبور من دائرية إلى بيضاوية، مما يعكس تحولًا نحو هياكل دفن أصغر وأطول). 

فترة أم النار

لقد كنت محظوظة بالعمل على مشروع مع زميلتي الدكتورة ليزلي غريغوريكا من جامعة جنوب ألاباما، وعدد من طلاب المرحلة الجامعية، بفضل تمويل من المؤسسة الوطنية الأمريكية للعلوم. ومن خلال عملنا في كلٍّ من رأس الخيمة والولايات المتحدة، تعلمنا الكثير عن حياة الأشخاص الذين دُفنوا في قبور فترة أم النار في شمل.

دفنت هذه الجماعة أكثر من 400 فرد في تلك القبور الكبيرة. ونعرف ذلك لأننا قمنا بحساب الحد الأدنى لعدد الأفراد (MNI) في كل قبر من خلال تحديد جزء معين من الهيكل العظمي يتم حفظه جيدًا. في شمل، ركزنا على الجزء الصخري من العظم الصدغي (العظم الكثيف الذي يحيط بالأذن الداخلية)، والذي كان محفوظًا بشكل أفضل داخل القبور مقارنة بأي جزء آخر من الهيكل العظمي. قمنا بعدّ عدد الأجزاء التي عُثر عليها من الجهة اليمنى والجهة اليسرى من الجسم، ثم استخدمنا العدد الأكبر من جهة واحدة فقط لتقدير الحد الأدنى لعدد الأشخاص المدفونين في القبور.

دُفن أشخاص من جميع الأعمار (ومن الجنسين) في قبور فترة أم النار في شمل، بدءًا من الأجنة غير المولودة إلى أشخاص تجاوزت أعمارهم السبعين والثمانين وربما أكثر. وتشير الأدلة إلى أنهم استخدموا أذرعهم وأرجلهم في أنشطة شاقة، مثل الزراعة وبناء المعالم والقبور. فعلى سبيل المثال، لاحظنا تغيّرات على العظام في أماكن ارتباط العضلات (المعروفة باسم التغيرات الوترية)، مما يدل على استخدام عضلة العضد ذات الرأسين، بالإضافة إلى وجود بعض حالات التهاب المفاصل العظمي في الركبتين.

فترة وادي سوق

كان جزء من بحثي في الربيع الماضي هو البدء في دراسة الهياكل العظمية المستخرجة من قبور في شمل تعود إلى فترة وادي سوق. نحن مهتمون بمعرفة ما إذا كانت التحولات الثقافية التي تظهر في السجل الأثري – مثل التغيرات في تصميم القبور – تنعكس أيضًا في التغيرات الصحية والبيولوجية. كانت قبور وادي سوق، رغم بنائها المتقن والمثير للإعجاب، أصغر حجمًا من قبور فترة أم النار في شمل. وقد قمتُ بفحص هياكل عظمية من القبور SH 1 وSH 95 وSH 99 وSH 103 وSH 602. تراوح الحد الأدنى لعدد الأفراد (MNI) في هذه القبور بين شخصين فقط و33 شخصًا مدفونين. وعلى الرغم من أن العدد الفعلي للمدفونين في القبر ربما يكون أكبر قليلًا من هذا الحد الأدنى، إلا أنه يظل أقل بكثير من أكثر من 400 فرد دُفنوا في قبور فترة أم النار.

القبر

عدد الأفراد

SH 1

11

SH 95

2

SH 99

12

SH 103

33

SH 602

16

Unar 1

459

Unar 2

411

الجدول 1: الحد الأدنى لعدد الأفراد (MNI) في القبور التي تمت دراستها.

على الرغم من أن عدد المدفونين في قبور وادي سوق كان أقل، فإن هذه القبور احتوت على أفراد من جميع الأعمار وكلا الجنسين — من الصغار جدًا إلى كبار السن. ولا يبدو أن بناء القبور الصغيرة كان بهدف التمييز بين الناس حسب العمر أو الجنس. تظهر معظم القبور أنماطًا متشابهة نسبيًا من أمراض الأسنان (وهو موضوع بحث سيتم نشره قريبًا؛ انظر الشكل 1). ومع ذلك، فإن الهياكل العظمية في القبر SH 602 تبدو مختلفة عن غيرها بعدة طرق. فقد أظهرت معدلات أعلى من أمراض الأسنان مقارنة بجميع القبور الأخرى التي تمت دراستها (والتي كانت جميعها متشابهة تقريبًا في معدل الإصابة). بالإضافة إلى ذلك، وُجدت مؤشرات على الضغط البيولوجي والصدمات خلال فترة وادي سوق فقط في القبر SH 602. وهناك عدة عوامل قد تفسر هذا الاختلاف؛ فمن المحتمل أن يكون الأشخاص المدفونون في القبر SH 602 ينتمون إلى مجموعة مميزة ثقافيًا أو اجتماعيًا عن غيرهم. كما يُحتمل أيضًا أن عدم قدرتنا على تقدير أعمار الأفراد الذين ظهرت لديهم هذه الإصابات أو الأمراض حال دون اكتشاف وجود عدد أكبر من كبار السن في القبر SH 602.

الشكل 1. نسبة الأسنان المفقودة قبل الوفاة في كل قبر تمت دراسته.

يسلط كل ذلك الضوء على أهمية علم الأنثروبولوجيا الحيوية في فهم ماضي رأس الخيمة. ونحن نأمل أن تسهم الدراسات المستمرة للهياكل العظمية من هذه القبور وغيرها في شمل في تعميق فهمنا للحياة خلال فترتي أم النار ووادي سوق. ولتعزيز هذا الفهم، ينبغي أن تتطلب الحفريات المستقبلية في المقابر الأثرية وجود علماء أنثروبولوجيا حيوية. ويمكن لدائرة الآثار والمتاحف في رأس الخيمة أن تلعب دورًا محوريًا من خلال التأكد من أن تصاريح الحفريات تشمل علماء متخصصين في هذا المجال، وأن يتم توثيق السياقات العظمية بدقة من خلال التصوير الفوتوغرافي والملاحظات الميدانية التفصيلية، وأن تُطبق بروتوكولات الحفظ في الموقع. إن توثيق الهياكل العظمية قبل نقلها يحافظ على معلومات سياقية قيّمة قد تُفقد بخلاف ذلك. وفي نهاية المطاف، فإن دراسة كيفية تأثير التغيرات الثقافية والبيئية في علم الأحياء البشري لا تثري فهمنا للماضي فحسب، بل تقدم أيضًا منظورًا أعمق لمستقبلنا المشترك ونحن نواجه تحولات مشابهة في يومنا هذا.