المدونات والبودكاست

pattern@2x

داخل فصل معلمة صاعدة

عندما يدخل طلاب الصف الأول إلى الفصل كل صباح، يجلبون معهم حكايات صغيرة يتشوّقون لمشاركتها. بعضهم يتحدث عن لعبة اكتشفها للتو، وآخرون يروون موقفًا مضحكًا حدث في المنزل. هذه الدقائق القليلة من “الوقت الخاص” مع الطلاب قبل الطابور الصباحي بسيطة لكنها ذات معنى كبير؛ فهي تمنح عنود فهمًا واضحًا لما يشعر به طلابها وما قد ينتظرهم خلال يومهم الدراسي. والأهم، أنها تذكّرها دائمًا بسبب اختيارها مهنة التعليم منذ البداية.

لقد جاءت رحلة عنود نحو أن تصبح معلمة في مدرسة الظيت للتعليم الأساسي، ثم حصولها لاحقًا على لقب “المعلمة المتميزة – نجمة صاعدة” في جائزة رأس الخيمة للتميز التعليمي، نتيجة لتفانيها في عملها واهتمامها الحقيقي بمساعدة الأطفال على التعلم.


حلم الطفولة

تقول عنود: “لطالما رغبت أن أكون معلمة”. كانت عائلتها تأمل بأن تتجه نحو الطب أو الهندسة، وحتى خالتها التي عملت في مجال التعليم حاولت توجيهها إلى مسار مهني مختلف، لكن شيئًا من ذلك لم يغيّر قرارها. بعد تخرجها من كليات التقنية العليا، بدأت العمل كمعلمة بديلة. وبعد فترة قصيرة، شعرت أنها جاهزة لتحدٍّ أكبر.

جاءت الفرصة عندما تواصلت معها مديرة مدرسة الظيت بشأن وظيفة معلمة مبتدئة، مع ملاحظة صغيرة: الوظيفة تتطلب التدريس باللغة العربية. ورغم أن العربية لغتها الأم، إلا أنها لم تتلقَّ تدريبًا للتدريس بها، مما جعل الأشهر الأولى من التحول صعبة للغاية. ومع ذلك قبلت التحدي وكانت عازمة على النجاح.


تعزيز المجتمع من خلال “شجرة الصداقة”

بعد ثلاث سنوات في وظيفتها، نجحت عنود في بناء بيئة صفية تلبي احتياجات مجموعة متنوعة من المتعلمين. فطلابها، الذين تتراوح أعمار معظمهم بين ست وسبع سنوات، ينتمون إلى خلفيات إماراتية وفلبينية وجزر القمر وغيرها. بعضهم يعاني من عدم استقرار في المنزل، فيما لا يتحدث أهالي آخرين العربية أو الإنجليزية. تؤمن عنود بأن هذه الظروف تؤثر على سلوك الأطفال واستجابتهم للدرس، ولهذا فهي تولي اهتمامًا كبيرًا لاحتياجاتهم العاطفية إلى جانب احتياجاتهم الأكاديمية.

أحد الطلاب كان يعاني من سوء السلوك وصعوبة تكوين صداقات. وبدلًا من الاعتماد على العقاب، ابتكرت عنود نشاطًا أسمته “شجرة الصداقة”. وضعت شجرة صغيرة مزخرفة في زاوية الفصل، وصممت روتينًا حولها. عندما يجد الطالب صعوبة في ضبط سلوكه، يجلس قرب الشجرة ليستمع إلى أناشيد عن الصداقة، بينما يشاركه زملاؤه كلمات إيجابية عنه. ومع مرور الوقت، ساهم هذا النشاط في بناء صداقات ومساعدة التلاميذ على الاندماج في مجتمع الفصل.

تعتقد عنود بشدة أن فهم الطلاب على مستوى عميق أساسي لدعم نموهم الأكاديمي والشخصي. فهي تقول: “عندما تريد أن تطبخ، يجب أن تعرف المكوّنات”، وبالنسبة لها، ينطبق هذا المنطق على التدريس. نهجها يجمع بين الفهم العاطفي وبين وسائل تشجع الطلاب على المشاركة والفضول.


التكنولوجيا الهادفة

تؤدي التكنولوجيا دورًا مهمًا في صف عنود، لكنها تنتقي أدواتها بعناية. مؤخرًا بدأت باستخدام موقع تعليمي يعمل بالذكاء الاصطناعي لمساعدة الطلاب على إنشاء قصص. بدلًا من تقديم نص جاهز، تطلب منهم اختيار الشخصيات وعناصر الحبكة، ما يمنحهم فرصة لصناعة القصة بأنفسهم واستخدام خيالهم. والأهم أن النشاط يساعدهم على استخدام الأدوات الرقمية بطريقة هادفة.

كما تشارك عنود أولياء الأمور تفاصيل الأنشطة الصفية عبر منصة التواصل بين المدرسة والأهالي، مما يبقي الأسر على اطلاع على تقدم أطفالهم ويساعدهم على دعم التعلم في المنزل.


النمو كمعلمة شابة

تعكس رغبة عنود في تجربة أساليب جديدة ذهنية أوسع تعتمد على التعلم المستمر وطرح الأسئلة والتفكير في طرق للتحسن. وبصفتها معلمة شابة، ترغب في بناء مسيرة مهنية قائمة على التطور التدريجي. هذا التفكير هو ما دفعها للتقدم لجائزة رأس الخيمة للتميز التعليمي.

عندما حضرت الحفل لأول مرة عام 2024، أرادت أن تتعلم من المعلمين الآخرين وتتعرف إلى الفعالية. وبعد قراءة وصف فئة “المعلم المتميز”، شعرت بالتشجيع لتقييم تقدمها. وبمساعدة مديرة المدرسة، أعدّت طلبًا يركز على ممارساتها الصفية والخطوات التي تطمح لتحقيقها. اختيارها كـ“نجمة صاعدة” في فئة “المعلم المتميز” كان تأكيدًا لها أنها تسير في الاتجاه الصحيح. ورغم أن الجائزة منحتها لحظة تقدير، إلا أنها تراها جزءًا من رحلة تعلم طويلة.

هذه العقلية المستمرة في التطور تساعدها أيضًا على التعامل مع تحديات السنوات الأولى من التدريس. وتقرّ أن من أصعب جوانب كونها معلمة شابة هو إيجاد التوازن بين العمل ووقتها الشخصي. وقد أنهت مؤخرًا دورة في إدارة الوقت لمساعدتها على تنظيم يومها بشكل أفضل.

بعد الدوام، تقضي عنود وقتًا مع والدتها، وتعدّ دروس اليوم التالي، وغالبًا ما تتحدث مع صديقة لها تعمل معلمة في مدرسة أخرى في رأس الخيمة. وتؤمن أن الحفاظ على دائرة اجتماعية داعمة من عائلة وأصدقاء وزملاء له دور كبير في نجاحها. وهي تشجع الآخرين على بناء شبكات مهنية لدعم نموهم الشخصي والمهني.

وقد تواصل معها عدد من الزملاء لطلب المشورة أثناء استعدادهم للتقديم لدورة جائزة 2026، وهي تشاركهم تجربتها وتحثّهم على اعتبار التقديم فرصة للتأمل في رحلتهم ونموهم كمعلمين.


نظرة نحو المستقبل

عند الحديث عن المستقبل، تركز عنود حديثها على طلابها. فهي مقتنعة بأن التغيير يبدأ من الأفراد مثلها، ممن تقع على عاتقهم مسؤولية تزويد الأطفال بالمهارات التي يحتاجونها للنجاح ليس فقط أكاديميًا بل إنسانيًا أيضًا، “ومساعدتهم على فهم أنفسهم والنمو باستمرار”. ورغم أنها لا تملك تطلعات قيادية محددة في الوقت الحالي، إلا أنها تأمل بأن تكون “وزيرة للتغيير” عندما تحين الفرصة.

أما الآن، فهي تواصل التركيز على دعم طلابها وتعزيز ممارستها التعليمية، تجربة صفّية بعد أخرى.