المدونات والبودكاست

pattern@2x

ذكريات عطرة: رسم خريطة لإرث مباخر البخور في رأس الخيمة

بالنسبة لأولئك الذين عاشوا في الخليج، فإن رائحة البخور العربي غالبًا ما تستحضر الذاكرة الشمية للعطور والحرف اليدوية التي كانت جزءًا من الروح الجماعية للمجتمعات المحلية لآلاف السنين. على مدى العقد الماضي، منذ أن أكملت أطروحتي للدكتوراه حول مباخر البخور الصغيرة من العصر الحديدي (الألفية الأولى قبل الميلاد)، سعيت إلى توثيق الأشكال والوظائف العديدة لمباخر البخور الصغيرة المصنوعة يدويًا من شبه الجزيرة العربية. بدءًا من المنطقة الواقعة في أقصى جنوب سلطنة عمان، أخذتني مهمتي لرسم خريطة لإرث مباخر البخور إلى إمارة رأس الخيمة الجبلية في الإمارات العربية المتحدة، حيث تتميز مباخر البخور بتصميماتها المعقدة وأحجامها وأشكالها المعقدة.

مباخر البخور في رأس الخيمة: الأصل والوعي المجتمعي

تعتبر مباخر البخور اليوم حجر الأساس للثقافة الخليجية. باعتبارها حرفة يدوية، تُصنع هذه المباخر تقليديًا من الطين وتصممها مجتمعات من الرجال والنساء تعتمد على الحرفيين الموهوبين. في رأس الخيمة وشبه جزيرة مسندم، تم صنع شكل معين فريد من نوعه. تُعرف هذه الأشكال الدائرية من الطين باسم المدخن أو المجمرة باللغة العربية، وقد تم صنعها على عجلة صغيرة يدوية الصنع مصنوعة من الخشب أو الطين. تم تكريس عناية كبيرة لتكرار هذه الأشكال والتصميمات بدقة. وباعتبارها مباخر تقليدية من جلفار، فقد تم تصميمها عن طريق الضغط على الأشكال الهندسية في الطين باستخدام أدوات خشبية صغيرة محمولة باليد. كانت القطعة الأثرية النهائية عبارة عن مبخرة مصممة لتبخير الجسم وكذلك المنزل، وغالبًا ما تستخدم في طقوس الضيافة للترحيب بالزوار، وخلق روائح طيبة، وإزالة الروائح الكريهة من الهواء المحيط.

على الرغم من كونها حرفة قديمة، فإن صناعة الخزف التقليدي مثل مباخر البخور لا تزال حية وبصحة جيدة في رأس الخيمة. حضرت مؤخرًا حفل افتتاح فرن جديد في جمعية شمل للتراث، والذي نظم سلسلة من الأنشطة التراثية، بما في ذلك عروض صناعة الخزف التقليدي من قبل جيل أصغر من الإماراتيين الذين يتعلمون هذه الحرفة ويحافظون عليها. تم إشعال فرن جديد في هذا الحدث وكان المجتمع بأكمله حاضرًا، بما في ذلك السيد أحمد عبيد الطنيجي، مدير عام الآثار والمتاحف في رأس الخيمة، والسيد عبد الله إبراهيم محمد الصرومي، رئيس جمعية شمل للفنون الشعبية والمسرح، الذين شاركوني شغفهم ورؤيتهم لإحياء صناعة الحرف اليدوية. في الحدث، تعلمت عن كثب المكانة المتميزة لمباخر البخور لكل منزل إماراتي إلى جانب الجرز الشهير (الفأس) في رأس الخيمة، المصمم للاستخدام اليومي في المنزل وخارجه عند السفر موسميًا إلى أعماق الجبال. تقليديًا، يتم تصنيع كلا العنصرين واستخدامهما من قبل العائلات في نفس المنازل.

توثيق الثقافة: إنشاء مكتبة تراثية رقمية للبخور

كجزء من عملي لتوثيق التراث الثقافي لرأس الخيمة والإمارات العربية المتحدة، قمت بإنشاء مكتبة تراثية في جامعة نيويورك أبوظبي لدراسة العطور العربية والحرف اليدوية التقليدية لحرق البخور. وباعتبارها مكتبة رقمية قابلة للبحث، بعنوان رائحة الرائحه: المكتبة الرقمية للتراث للبخور العربي والعطور القديمة والعطور والروائح الفاخرة، فإن فريقي وأنا نهدف إلى دعم إحياء الحرف اليدوية كتراث حي غير مادي في رأس الخيمة. وبدعم من مؤسسة القاسمي، تمكنا أيضًا من مسح مباخر البخور التقليدية التي أهدتها العائلة المالكة إلى المتحف الوطني في رأس الخيمة. يتضمن عملنا في هذا المشروع البحثي الحفاظ على أشكال مباخر البخور بدقة عالية، وتسجيل مقاطع فيديو حول الطرق غير الملموسة لصنع الحرف، وإجراء مقابلات مع أفراد المجتمع. علاوة على ذلك، قمنا بتحويل القطع الأثرية الموجودة في العديد من المتاحف المحلية إلى صور رقمية لأغراض الدراسة المستقبلية، وإحياء ذاكرة المجتمع، وتعزيز هوية التراث. وسنقوم بتكرار عمليات المسح لدينا من خلال الطباعة ثلاثية الأبعاد لمباخر البخور، وهي طريقة مبتكرة لنمذجة التراث مع تطبيقات واسعة النطاق لقطاعات أخرى، بما في ذلك السياحة والتسويق. ونأمل أيضًا أن يكون عملنا بمثابة مصدر إلهام لرعاية جلسات تدريبية إضافية لصنع هذه الحرف اليدوية يدويًا بالطرق التقليدية. ومن خلال عمليات المسح لدينا والصور ومقاطع الفيديو الإثنوغرافية، نهدف إلى الحفاظ على الحرف اليدوية المعاصرة والتقليدية والأثرية.

وبمجرد توفرها كمكتبة رقمية مفتوحة المصدر، سيتمكن الباحثون الدوليون والمحليون من دراسة التراث الإماراتي من خلال عمليات المسح ثلاثية الأبعاد عالية الدقة والصور المأخوذة من السجلات الأثرية وغرف تخزين المتاحف والمقابلات الميدانية بالفيديو مع الحرفيين الذين يصنعون تراثهم. وعلاوة على ذلك، سيتمكن المقيمون والمواطنون من التعرف على أنواع البخور (الروائح التقليدية والعطور العربية المصنوعة محليًا) والدخون (العطور التقليدية الفاخرة المصنوعة محليًا أيضًا) والعطور الإماراتية الفاخرة الجديدة ومباخر البخور الخزفية التقليدية والزجاجات ذات العلامات التجارية. أخيرًا وليس آخرًا، نأمل أن تسمح لنا هذه المكتبة الرقمية بالتواصل مع طلابنا المحليين وخلق المزيد من الفرص لدراسة ورفع الوعي الثقافي بقيمة مثل هذه الحرف التقليدية في إثراء حياة أفراد المجتمع.



محتوى ذو صلة