نوفمبر 01,2023
العمل الخيري المستدام المحلي المفتوح والمرحب به
في العقود القليلة الماضية ازداد عدد المنظمات الخيرية التي تم انشاؤها في جميع أنحاء العالم إلى 260000 مؤسسة في 39 دولة مع حلول عام 2018. وتتركز الغالبية العظمى من جميع هذه المؤسسات في أمريكا الشمالية وأوروبا بشكل أساسي. ومع ذلك فإن عدد المنظمات الخيرية التي تم تأسيسها في أماكن أخرى حول العالم أخذ في الارتفاع أيضاً، والكثير منها تم إنشاؤه على شاكلة النموذج الغربي السائد لمنظمات العمل الخيري.
علاوةً على ذلك، ازداد العمل الخيري في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا(MENA) مدفوعاً بتأثير "الواجب الديني أو الثقافي الذي يحضّ على العمل الخيري بشكل قوي"، والذي يتأثر بشكل كبير بأحد أركان الإسلام الأساسية المتمثل بـ "الزكاة" التي تعد فرضاً إجبراياً، إضافة إلى "ارتفاع معدل الثروات الشخصية والثروات الخاصة بالدولة بالنسبة لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا". ومن بين دول مجلس التعاون الخليجي يوجد في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وحدهما 161 مؤسسة للعمل الخيري. ومع ذلك فإن النمو المتزايد الذي يشهده قطاع العمل الخيري يُبرز أسئلة مهمة حول كيفية توثيق الأنشطة الخيرية ومدى تنظيم هذا القطاع.
تحديات تقديم العمل الخيري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ودول مجلس التعاون الخليجي
وفقاً لـ Ridge et al (2019) فإن البيانات الموثوقة والشاملة حول الأنشطة الخيرية في مختلف المجالات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعتبر قليلة بشكل كبير. علاوةً على ذلك فإن المستويات العالية من السرية في قطاع العمل الخيري تشير إلى وجود قلة ثقة بين مؤسسات العمل الخيري في المنطقة. وذلك يتفاقم بشكل كبير بسبب إلغاء التنظيم العام للقطاع، حيث أن المؤسسات غير مطالبة بالكشف عن أنواع معينة من البيانات حول عملها كما أنها غالباً ما تكون غير راغبة في ذلك.
بالإضافة لذلك تعكس الدراسات الهيمنة المتزايدة للمؤسسات العملاقة على هذا القطاع، والتي بدورها لا تصمم عملها وفقاً للسياق المحلي الذي تعمل فيه. وفي ضوء النموذج الغربي للعمل الخيري الذي تأثرت به المؤسسات الخيرية في دول الخليج ربما يكون من غير المفاجئ أن تكون دول مجلس التعاون الخليجي أقل تركيزاً على القضايا المحلية، وأكثر رغبةً في الإقبال على القيام بأعمال على الصعيد الدولي من المؤسسات غير الخليجية في منطقة الشرق الأوسط. وعلى الرغم من ذلك فإن الدلائل تشير إلى أن العديد من المجموعات الديموغرافية التي تعتبر من المجموعات السكانية المعرضة للخطر لديها احتياجات يجب أن يتم تلبيتها من قبل القطاعات الخيرية أو الحكومية.
العمل الخيري: آليات الاتصال والاعتماد
في ضوء التحديات الكبيرة في قطاع العمل الخيري الإقليمي وُلد مفهوم العمل الخيري (المستدام المحلي المفتوح والمرحب به) (SLOW). تأسست هذه المبادرة للتواصل الاعتماد من قِبل مؤسسة القاسمي عام 2021، وتسعى هذه المبادرة إلى تمكين المؤسسات ذات التفكير المشابه من الالتقاء وتبادل المعارف و أفضل الممارسات والخبرات مع بعضها البعض. وتجدر الإشارة إلى أن منظمات العمل الخيري التي تعتمد مبدأ (SLOW) تُكرّس لتكون مستدامة ومحلية ومنفتحة ومرحب بها عندما تعمل وتدعم مجتمعاتها المحلية بشكل وثيق. وفيما يلي سيتم مناقشة هذه السمات بشكل أكثر تفصيلاً.
- مستدام:
ينبغي أن تكون المنظمات الخيرية مستدامة إذا ما أرادت أن تصبح شريكة استراتيجة طويلة الأمد وفاعلة في خدمة احتياجات مجتمعاتها. وبدون الأمن المالي، فمن المرجح أن تنهي المنظمة الخيرية أعمالها، أو أن تقضي نصف وقتها في تأمين التمويل المطلوب، وذلك يقلل من الوقت الذي من شأنها أن تقضيه في ممارسة النشاطات الخيرية التي يتم القيام بها في هذا القطاع. وعلى هذا النحو فإن المنظمات التي تعتمد مبدأ العمل الخيري (SLOW) تسعى لمتلاك نماذج واستراتيجيات وسياسات تمويل مستدام، من أجل إثبات واستدامة تأثيرها مع مرور الوقت.
- محلي:
بالإضافة لما ذكر فإنه من الضروري أن تركز مؤسسات العمل الخيري نشاطاتها في السياق المحلي من أجل زيادة قدرتها على مساعدة مجتمعاتها بشكل أفضل. وعلى سبيل المثال، في دولة الإمارات العربية المتحدة من المرجح أن يترك الذكور المدرسة أكثر من الإناث، وأن تبقى القضايا البيئية الهامة دون معالجة، بالإضافة لقضايا السكان المعرضين للخطر أو المهملين، مثل المسنين أو المتعلمين الكبار، والذين لا يملكون سوى المساعدات القليلة المقدمة من قطاع العمل الخيري العام أو الخاص. ولذلك فإن المؤسسات التي تعتمد "العمل الخيري (SLOW)" تقوم بالتركيز على مجتمعاتها المحلية، وتتصدى للتحديات التي ذكرت، وتعمل على تمكين السكان المحليين.
- مفتوح:
كما أشرنا في السابق، فإن نقص الشفافية في قطاع العمل الخيري نفسه يمكن أن يؤدي إلى عدم القدرة على بناء الثقة والتواصل بين المنظمات، حيث تشير إحدى الدراسات إلى أن المؤسسات تعترف بصعوبة العمل جنباً إلى جنب مع المؤسسات والمنظمات الأخرى مثل الهيئات الحكومية والوزارات إذا كان ذلك ضرورياً. وعلى هذا النحو فإن اعتماد "العمل الخيري(SLOW)" وإنشاء منصة تواصل لذلك من شأنه أن يسهل التنسيق بين المنظمات ويشجعه بشكل كبير.
- مرحب به:
في الختام، يجب أن تحاول المنظمات الخيرية خدمة مجتمعاتها بشكل أكثر فاعلية، وذلك عن طريق إشراك هذه المجتمعات في الأحداث المجانية والمفتوحة، والمصممة لأن تكون بمتناول الجميع. ويمكن للمؤسسات من خلال التفاعل الإيجابي والقصدي مع المجتمع المحلي أن تستمع بشكل أفضل لاحتياجات مختلف الفئات السكانية المحرومة وتكون قادرة على تلبيتها.
ويمكن القول باختصار أن الحاجة إلى منظمات خيرية مستدامة ومحلية ومنفتحة ومرحب بها أكثر أهمية من أي وقت مضى، في ظل عالم متغير بسبب جائحة COVID-19. وتعمل "SLOW" على ضمان أن تكون البرامج الخيرية محددة السياق، وتدعم بشكل حقيقي المجتمعات التي تم إنشاء المؤسسات من أجل خدمتها. وعلى حد تعبير Ridge and Terway (2019) فإن "مفتاح نجاح واستدامة العمل الخيري ...هو أن يُنظر إلى المنظمات على أنها جديرة بالثقة"، وذلك بالضبط ما تسعى مبادرة "العمل الخيري(SLOW)" إلى تحقيقه.
جنان فرحات تعمل كمساعد بحوث في مؤسسة القاسمي. من خلال دورها، تدعم تخطيط وتنفيذ بحوث المؤسسة وتنسيق الأنشطة الإدارية المتعلقة بالمشروع البحثي. عملت سابقًا كمتدربة في المؤسسة وأجرت بحثًا نوعيًا وكميًا أثناء تدريبها مع تحالف الإغاثة الهولندي، وهو تحالف من 16 منظمة مساعدات إنسانية في هولندا. عملت جنان أيضًا كمتدربة بحوث في مشروع العلوم الإنسانية الرقمية "الآثار في الخيال الإسلامي" في جامعة ليدن بهولندا. حاصلة جنان على درجة البكالوريوس في الدراسات الدولية من جامعة ليدن، تخصص الشرق الأوسط. خلال دراستها الجامعية، أجرت بحثًا حول كيفية تأثير التعليم على انتقال دولة الإمارات إلى اقتصاد قائم على المعرفة. مستوحاة من نشأتها في دولة الإمارات العربية المتحدة، تتعلق اهتمامات جنان البحثية بالعلاقة بين التعليم والتنمية الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي، وتمكين الشباب، وديناميكيات النوع الاجتماعي.